• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Jan 24 22 at 05:13 AM

عندما تعلن وزارة المالية أن نتائج الشهور الخمسة الأولى من العام المالي الحالي (2022-2023)، قد أشارت إلى نمو العجز الكلي بالموازنة بنسبة 35 في المائة عن تقديرات قيمة العجز عند إعداد الموازنة، فمن الطبيعي أن تتأخر الحكومة عن دفع مستحقات الموردين لها، مثلما شكا أصحاب شركات المستلزمات الطبية من تأخر حصولهم على مستحقاتهم لدى المستشفيات الجامعية منذ أربع سنوات، وشكوى شركات المقاولات من تأخر حصولها على فروق الأسعار في تعاقداتها مع الجهات الحكومية، نتيجة تحرير سعر الصرف منذ أواخر عام 2016 حتى الآن، ومثلما شاهد المصريون رأس النظام وهو يخاطب أصحاب شركات مقاولات لتنفيذ مشروعات حكومية مع دفع ربع قيمة المستحقات وتأجيل سداد الباقي، وهي الواقعة الشهيرة بالحوار مع الحاج سعيد.

ومن هنا فإن تلك الشركات لن تستطيع الوفاء بسداد ما عليها من التزامات للمصارف، مما يؤثر على جودة وتصنيف القروض لدى المصارف وعلى السيولة لديها، خاصة وأن بعضها لديها مشاكل مزمنة من القروض المتعثرة مثل البنك العقاري والبنك الزراعي والبنك الصناعي، حتى أن المصارف المصرية لجأت لوضع حد أقصى للسيولة التي يمكن أن يحصل عليها عميل المصرف من أمواله المودعه لديها بخمسين ألف جنيه يوميا حتى الآن، منذ أزمة كورونا التي أثرت سلبا على مبيعات العديد من الشركات، مثلما حدث بقطاع السيارات، مما يزيد من صعوبة سداد ما عليها من التزامات للمصارف في مواعيدها.

نقص الدولار بالمصارف

ونظرا لحالة الركود التي عمت الأسواق نتيجة ضعف المبيعات للشركات، والتي أكدها مؤشر مديري المشتريات باستمرار حالة الركود خلال كامل شهور العام الماضي، ومع ضعف السيولة لدى الأفراد والتي اتجه جانب أكبر منها للعلاج والوقاية والغذاء، فمن الطبيعي أن تتأثر معدلات الإيداع بالمصارف، خاصة وأن ودائع القطاع العائلي، أي الأفراد أساسا، تمثل نسبة 83 في المائة من إجمالي الودائع في المصارف المصرية.

وربط البعض ذلك بمطالبة الجنرال المصري قبل أسابيع قليلة من يبنون مساكن بالتحول لإيداع أموالهم في المصارف، رغم الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب بمجال الإسكان، واختلاف نمط استثمار الأموال عن نمط الإيداع المصرفي، خاصة وأن المصارف لا تقوم بدور استثماري ملموس وتوجه غالب استثماراتها لشراء أدوات الدين الحكومي.

وواجهت المصارف مشكلة أخرى تتعلق بانخفاض الودائع بالعملات الأجنبية ونقص العملات الأجنبية لديها، وهو ما عبرت عنه بيانات صافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي، والتي تشير للفارق بين ما لديها من عملات أجنبية وما عليها من التزامات بالعملات الأجنبية، والتي تراجعت من 20.4 مليار دولار في فبراير 2021، إلى 5.3 مليار دولار في نوفمبر من نفس العام.

ومع انخفاض صافي الأصول في المصرف المركزي خلال تلك الفترة، وكذلك باقي المصارف العاملة في السوق، فقد كان الحال أكثر سوءا في تلك المصارف الأخيرة والتي انخفض صافي أصولها من العملات الأجنبية من 6.8 مليار دولار في فبراير، إلى التحول لحالة العجز منذ شهر يوليو وحتى  أكتوبر الماضيين، وهي آخر بيانات متاحة، ليصل العجز لديها إلى حوالي خمسة مليارات دولار، رغم قيامها بسحب جانب من أرصدتها في البنوك الخارجية، لتتراجع تلك الأرصدة من 21.4 مليار دولار في مارس إلى 14 مليارا في أكتوبر، ولجوئها للاقتراض الخارجي فزادت أرصدة قروضها الخارجية من 8.7 مليار دولار بنهاية عام 2019 إلى 12.2 مليار دولار بنهاية عام 2020، ثم إلى 14.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي كآخر بيانات متاحة.

أرباح أقل من عام ذروة كورونا

وكان عام 2020 الذي حدث فيه إغلاق كلي للعديد من الأنشطة مثل السياحة والطيران وغيرهما لعدة شهور، ومنعا للتجمعات والحفلات والمعارض ونحو ذلك، قد شهد انخفاض أرباح 20 مصرفا من بين 23 مصرفا أعلنت قوائمها المالية، بسبب تداعيات كورونا على النشاط الاقتصادي والمصرفي بالتبعية، وخفض المصرف المركزي معدل الفائدة بنسبة ثلاثة في المائة.

ونظرا للعودة التدريجية للأحوال الطبيعية منذ منتصف عام 2020، فقد كان من الطبيعي تتحسن أحوال المصارف خلال عام 2021 بشكل تلقائي لتغير الظروف الاقتصادية التي تعمل فيها، وعدم تحريك المصرف المركزي الفائدة خلاله، ومعدلات النمو التي تتحدث عنها الحكومة، لكن لوحظ في نتائج أعمال المصارف خلال الربع الأول من العام تراجع أرباح خمسة مصارف بالمقارنة بنفس الفترة من عام 2020، من بين 19 مصرفا أعلنت بياناتها المالية.

وخلال نتائج أعمال النصف الأول من العام الماضي، والتي تقابلها حالة إغلاق طغت على النصف الأول من عام 2020، فقد تراجعت أرباح ثمانية مصارف من بين 21 مصرفا أعلنت قوائمها المالية، وبما يشير لوجود مشاكل حقيقية لديها تجعل نتائج أعمالها أقل من نتائج فترة ذروة أثر كورونا، وخلال نتائج أعمال الربع الثالث من عام 2021 تراجعت أرباح خمسة مصارف من بين 19 مصرفا أعلنت قوائمها المالية.

وهكذا شهدت نتائج أعمال المصارف خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2021 مجمعة، تراجع أرباح ستة مصارف بالمقارنة بأرباحها بنفس الشهور من عام ذروة كورونا، وحتى المصرف الوحيد الذي أعلن بياناته للعام الماضي كاملا حتى الآن، وزادت أرباحه خلال العام بنسبة 1.8 في المائة، فقد تراجعت قيمة أرباحه خلال الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 18 في المائة عن الربع الأخير من عام 2020.

طريقة غريبة لعرض النتائج المالية

وكانت النقطة الفارقة هي قيام المصارف المملوكة بالكامل للحكومة بنشر قوائمها المالية الربع سنوية، وهو أمر محمود كنا نطالب به منذ سنوات طويلة أسوة بمصارف القطاع الخاص، لكن لوحظ في القوائم المالية لبنك مصر، ثاني أكبر المصارف المصرية من حيث الأصول وعدد الفروع، أنه يقارن نتائج المصرف بنهاية سبتمبر 2021 بنتائج يونيو 2020، أي بفاصل 15 شهرا، وأن قائمة الدخل الخاصة بإيرادات ومصروفات تلك الفترة الربع سنوية غير موجودة، والموجود مقارنة بين أداء فترة 15 شهرا تتضمن ذلك الربع بفترة 12 شهرا سابقة، وبالطبع سترجح كفة الفترة الأطول مدة في النتائج.

وتكرر الأمر مع عرض نتائج البنك الأهلي المصري، أكبر المصارف المصرية، عن الربع الثالث، من أصول وودائع وقروض وغيرها بالمقارنة بنتائج يونيو 2020 أي بفاصل 15 شهرا، كما ذكر نتائج أعمال ذلك الربع عام والخاصة بالإيرادات والمصروفات مقارنة بأداء فترة 15 شهرا.

وبرر المصرفان ذلك التصرف بأنهما سيتحولان إلى عرض نتائجهما المالية، عبر السنة الميلادية وليس السنة المالية كما جرت العادة منذ سنوات طويلة، وأنه من الصعوبة توفير بيانات الفترات المقابلة للفترة المالية التي يتم الإفصاح عن نتائجها!

إلا أن الأمر انكشف حين لجأ البنك المصري لتنمية الصادرات إلى نفس الأسلوب، بمقارنة نتائج الربع الثالث من العام الماضي بنتائج يونيو 2020 بفاصل 15 شهرا، رغم أن القطاع الخاص يمتلك 25 في المائة من أسهمه، وأنه مقيد بالبورصة وينشر بياناته الربع السنوية منذ سنوات مثل بنوك القطاع الخاص، حيث تكون المقارنة عادة بين الربع والربع المقابل من العام السابق، وهو ما التزم به بنك القاهرة رغم أنه مملوك بالكامل للحكومة، مما جعلنا نتساءل عن سبب لجوء كل من البنك الأهلي المصري وبنك مصر إلى هذا الشكل من الإفصاح، من التغطية على نتائج الأعمال في أسلوب لم يحدث من قبل بالمقارنة بفترة سابقة بخمسة عشر شهرا.

وكان هذا التوقف مدفوعا بكون المصرفين الأهي ومصر يمتلكان معا نسبة 50.5 في المائة من إجمالي أصول المصارف المصرية حتى نهاية سبتمبر الماضي، ويستحوذان على نسبة 56 في المائة من الودائع في المصارف العاملة بمصر، وقدما نسبة 55 من القروض المصرفية ولديهما 44 في المائة من حقوق المساهمين.

المركز المالي للمركزي يحتاج تدعيما!

ومما زاد من الشكوك بوجود شيء ما وراء هذا الأسلوب الذي تم اللجوء إليه لعرض القوائم المالية لتلك البنوك الثلاثة، أننا بطريقة المقارنة بما لدينا من بيانات سابقة تبين لنا انخفاض أرصدة القروض ببنك مصر في سبتمير عما كانت عليه في يونيو من نفس العام، رغم ارتفاع مجمل القروض بالمصارف في تلك الفترة، ورغم أن طريقة حساب أرصدة القروض بالمصارف المصرية تحتسب فوائد القروض السابقة ضمن الأرصدة الإجمالية، مما يعني تراجعا حقيقيا للقروض أعلى من الأرقام المذكورة.

وفي البنك المصري لتنمية الصادرات وجدنا انخفاضا في أرباح المصرف خلال الربع الثالث من عام 2021، عن أرباح المصرف بنفس الفترة من عام 2020 وعن نفس الفترة من عام 2019 أيضا، أي أن هناك سببا في اللجوء للطريقة غير المألوفة محاسبيا لعرض القوائم المالية بالمقارنة بفترة سابقة بفارق 15 شهرا.

ومن هنا جاء قرار المصرف المركزي المصري مؤخرا بإتاحة سيولة طارئة للمصارف لمواجهة أزمات السيولة على المدى القصير؛ ذكر أنها تختلف عن عمليات السوق المفتوح، التي يقوم من خلالها بشراء الأوراق المالية الحكومية من المصارف لضخ سيولة إليها، كما تختلف عن تسهيلات إقراض المصارف لمدة ليلة واحدة بفائدة 9.25 في المائة.

لكن نتائج المركز المالي الشهري للمصرف المركزي بنهاية شهر نوفمبر الماضي، والتي أشارت إلى بلوغ أصول المصرف المركزي 2.4 تريليون جنيه، بينما أصول البنك الأهلي حتى سبتمبر 2.8 تريليون جنيه، كما بلغت حقوق الملكية في المصرف المركزي صفرا، نتيجة استنزاف الخسائر المُرحلة لكل حقوق الملكية.

وبلغت حقوق الملكية في البنك الأهلي 135 مليار جنيه، الأمر الذي يجعلنا نتساءل حول قدرة المصرف المركزي على توفير السيولة الطارئة للمصارف التي تشكو من نقص السيولة، وهو ما يحتاج من الجهات الرقابية المصرفية والجهات الحكومية التفسير والتوضيح والطمأنة حول مَواطن الغموض المذكورة.

أضف تعليقك